ليس الاسلام ولا الاسلام الراديكالي: الارهاب في جيب معطف امريكا وحلفائها الغربيين ياسيد ترامب
يمنات
عبد الوهاب الشرفي
يضرب الارهاب العالم والشرق الاوسط منه تحديدا والعالم العربي والاسلامي بشكل أخص، واصبح الارهاب هو اخطر المشاكل التي تواجه البشرية في الفترة الاخيرة وبات مهددا عالميا و قاتلا للجميع دون استثناء ودون تمييز ودون تفنيد، الجميع على اختلاف قاراتهم و بلدانهم واديانهم و فكرهم وتوجهاتهم باتوا اهدافا محتملة لضربات الارهاب ولم يعد هنالك من يقدر على اعتبار الارهاب خطرا لا يعنيه.
دخل الرئيس الامريكي ترامب مبديا خصومة حادة مع الارهاب ونزوعا قويا وغير مسبوق لمحاربته، وهو امر رائع لم يبده من سبقه من الرؤسا الامريكيين في “زمن الارهاب” وبلغ الامر بترامب مبلغا غير مألوفا فقد ابدى استعداده للتقارب والتشارك مع المنافس العالمي للولايات المتحدة (روسيا) في سبيل محاربة الارهاب وهو امر ملفت ان يقفز رئيس امريكي على المنافسة العالمية في سبيل إنجاح الحرب على الارهاب، ومن هذه الناحية يكون هذا الامر مؤشر جدية لسعي ترامب لمحاربة الارهاب او هكذا يبدو.
ان يحمل رئيس امريكي هذا المزاج الحاد تجاه الارهاب فذلك من محمودات الحدة، فالارهاب كاحداث هو الجريمة الصرفة او “خام الجريمة” و يجب التعامل معها كذلك دون استخدام او تقبّل او تذويب او لامبالاة، والارهاب بات يضرب في العواصم الغربية والمدن الامريكية و لم يعد مقتصرا على الشرق الاوسط و العالم العربي والاسلامي وحسب، واصبحت امريكا والغرب معنيين به تماما كالشرق الاوسط وغيره من بلدان المعمورة.
من الجيد ان يحمل ترامب هكذا مزاج تجاه الارهاب ولكن سيكون من الجيد اكثر بكثير ان يتم تشخيص مشكلة الارهاب بشكل سليم، فالتشخيص السليم للمشكلة هو وحده الكفيل بفاعلية ونجاح جهود محاربتها، والتشخيص السليم للارهاب هو المطلوب الاول لنجاح هذه الحدة التي يبديها ترامب تجاه الارهاب لتحقيق اهدافها، وبدون التشخيص السليم لن تكون جهود وسياسات ترامب الا محدودة النتائج هذا اذا لم تحصد نتائج اكثر سلبية وتجلب ويلات اوسع وتمكيّن للارهاب بشكل أعمق.
لم نكن نحتاج لجهود كبيرة لاقناع العالم بأن لا علاقة للاسلام بالارهاب وان هذه النظرة هي نظرة متطرف وكان من المتعمد الترويج لها في سبيل زيادة الهوة بين الامم وخصوصا بين الامة الاسلامية و الامة المسيحية لأن التقارب بينهما يضرب المخططات الصهيونية جوهريا و له انعكاسات سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية سلبية على مشاريع الصهيونية التي يعتمل اهمها داخل هاتين الامتين.
كان الربط بين الارهاب وبين الاسلام ربط مفضوح و سرعان ما أتضح زيفه فالامة المسلمة كبيرة لا يمكن اختزالها في مجموعات محدودة “تحسب عليها” متورطة في الارهاب، و ليس في تاريخ الامة الاسلامية مايسند هذا التزييف للحقيقة فما هو موجود من احداث عنف و وقائع دموية يتم الالتفاف عبرها بتصويرها اعمال ارهاب هي احداث وجدت لدى غيرها من الامم كذلك، و ربما بشكل اوسع، ولكن يظل موضوع الارهاب ليس اعمال عنف واحداث دموية جزافا وانما و هو امر اخر ولا يمكن من خلال ترجيع روايات واحداث تاريخية عنفية و دموية تأصيل فكرة ان الارهاب اسلامي، وبالتالي لم تصمد هذه الفكرة و تهاوت سريعا..
تحدث ترامب عن حرب سيشنها على الاسلام الراديكالي او الاسلام المتطرف او الاسلام الاصولي، فترامب يرى ان هناك تيارا داخل الامة الاسلامية هو الذي يمثل ارضية الارهاب و ان الحرب على الارهاب تتطلب ان تشن الحرب على هذا التيار تحديدا، وهذا الامر يجد تقبلا وتزيينا من كثير بينهم من الامة الاسلامية ذاتها مع الاسف وعلى خلفية خصومات سياسية او منافسات دينية او سلطوية او فكرية وليس لقناعة واعية ان الارهاب هو الاسلام الراديكالي او انه ارضية للارهاب بوجوده كتيار.
هناك فرق بين القول ان الاسلام الراديكالي بيئة يمكن تفريخ جماعات ارهابية منها و بين القول ان الاسلام الراديكالي تيار ارهابي او ارضية للارهاب بطبيعته، وهذا الفرق حساس للغاية و فهمه يترتب عليه التشخيص السليم للارهاب وصولا لحرب ناجحة ضد الارهاب، و يجب القول ان المشاكل التي تترتب على وجود تيارات راديكالية هي مشاكل اخرى وليس الارهاب احدها، وما يترتب على الراديكالية من مشكلات عنف و دموية – ليست الارهاب – هي ناتجة عن توترات وخصومات حادة ولكنها مقيدة بالخصم وبالخصومة و مواجهتها يجب ان تتم في اطارها كمشكلات وليدة للتطرف و الاصولية محدودة الوقوع و محددة الضحية و اساليب مواجهتها ومعالجتها واضحة، ولكنها ليست الارهاب أو بعبارة اوضح مشكلات ومضاعفات الراديكالية ليست الارهاب الذي يعصف بالعالم العربي والاسلامي اولا وبالعالم ككل و الذي نشاهده في العقود الاخيرة وحتى اليوم.
وجود نص يحض على العنف او رؤية او فتوى لفرد هنا او هناك تفعل ذلك او رواية او حدث تاريخي موجود لدى الاسلام الراديكالي ترسم ذلك لا يعني على الاطلاق انها الارهاب او ان الاسلام الراديكالي هو الارهاب او مصدره بصورة مجردة، و مع تمسكنا بأن وجود تلك النصوص و الفتاوى و الروايات مشكلة و سلبية تحتاج معالجة بطرق المعالجة اللازمة لها، و لكن استخدامها لتصوير ان الاسلام الراديكالي مصدر الارهاب هو امر اخر لايجب التماهي معه او عدم الانتباه لخطورته.
الارهاب ليس جريمة جنائية او احداثا دموية طائفية او عنصرية يمكن مقاصتها ضمن القوانين الجنائية او التسويات الاجتماعية المختلفة، وانما هو جريمة سياسية، وليس الارهاب كاحداث هو المراد او الهدف الذي يتم العمل عليه ولا هو بالنتيجة التي تقع تبعا لتجاذبات جنائية او طائفية او عنصرية او نحو ذلك، وانما هو جريمة سياسية تستخدم لفرض تغيرات سياسية بطريق لا اخلاقي ولا قانوني ولا طبيعي و لا عفوي ولا كرد فعل، بل هو جريمة تتم عن وعي وتخطيط واعداد وتنسيق وتسهيل وتوجيه وتاثير من قبل مستفيد اخر يعمل على تحقيق اجندة سياسية لا علاقة لها عمليا بكل الاجندات الوهمية والشعارات الفضفاضة التي تحملها جماعات الارهاب نفسها و يمثل الارهاب حلقة في سلسلة من العمليات الموصلة إلى الهدف السياسي المراد فرضه.
دون الخوض في التفاصيل فقد بدأت القصة مع الارهاب من افغانستان بحرب سياسية امريكية سوفياتية في حقيقتها وجمعت اسماء المختطفين من الاسلام الراديكالي – و المعروفين بالمجاهدين العرب، او العرب الافغان – لهذه الحرب في قاعدة بيانات باسمائهم ومعلوماتهم – و بينهم غير عرب ايضا – وبعد انتهاء المهمة في افغانستان وانتهاء استنزاف الاتحاد السوفيتي وصولا لسقوطه تم توجيه هذه العناصر المنتخبة المحصورة في قاعدة البيانات تلك لمهمة سياسية اخرى هذه المرة في بلدانهم و تم انزال التحديث الاول للارهاب وهو الاصدار الثاني للجماعات الارهابية تحت اسم القاعدة التي استخدمت لحرب استنزافية مع الجيوش العربية واستمرت كذلك عملية الاختطاف من الاسلام الراديكالي و “تفقيس” مجموعات ارهابية اضيفت لقاعدة البيانات تلك، وتطورت الاحداث في المنطقة العربية واصبحت السياسات المعتملة في الشرق الاوسط تهدف لاعادة تشكيل الخارطة العربية وليس فقط اضعاف الجيوش و خلخلة البلدان العربية و تم انزال التحديث الثاني للارهاب و هو الاصدار الثالث للجماعات الارهابية و يحمل فكرة “دولة اسلامية” بهدف التصادم المباشر مع الدول وازاحتها واعادة تشكيل الفراغ الذي تخلفه وهذه النسخة هي “داعش” وهي الاصدار الثالث والاحدث الذي تم انزاله الى الاسواق حتى الآن.
كل ذلك المشوار من اختطاف عناصر من الاسلام الراديكالي و تدريبها و تسهيل تحركها و تمويلها و الترويج لها و تحديثها و التنسيق لتحركها و التحكم في حربها بحيث لا يقضى عليها هو مشوار يقف خلفه سياسات لإدارات سياسية و تنفذه اجهزة استخبارات عالمية و نافذة و قادرة وليس الاسلام او الاسلام الرديكالي هو من يقف خلف هذا المشوار وليس ذلك بمقدوره، والاسلام الراديكالي الذي يريد ان يحاربه ترامب للقضاء على الارهاب ليس سوء بيئة خصبة “للتفقيس” الذي تقوم به فقاسات صهيونية تستخدم اذرع تتمثل في ادارات سياسية واجهزة استخبارات امريكية و غربية و عربية وغيرها.
سيكون ترامب غبيا اذا اعتبر ان تحرك هذه العناصر بمئات الالاف مخترقة حدود دول لا يجروء على مجاوزتها معارض سياسي فرد هو عمل راديكالي، وسيكون ترامب متسترا اذا لم يعترف بالدعم اللوجستي بمختلف اشكاله الذي يقدم لهذه الجماعات في العديد من الدول المعنية، وسيكون ترامب سمجا اذا ظل في حدته في الحديث عن حرب حقيقية على الارهاب و لا يكلف نفسه ان يسائل جهاز استخباراته و اجهزة استخبارات حلفائه الغربيين و اجهزة استخبارات العرب و الشرق اوسطيين المتعاونين عن كل ذلك الدعم اللوجستي بمختلف الصور الذي حضيت به هذه الجماعات الارهابية.
الصانع الاول للارهاب هو السياسات الامريكية و الغربية المتبعة في الشرق الاوسط ضمن الصراع العالمي و الصراع حول الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الاوسط، فتيار الاسلام الراديكالي لايمكنه ان يفسد العالم هكذا و لايمكنه ان يفعل ما تفعله الجماعات الارهابية من “خطوات بنائية و ادارية” قبل ان يذاع على قنوات التلفاز قطعها للروؤس و حرقها للاجساد لتغيير هوية الارهاب الحقيقية كمولود للسياسات الامريكية و الغربية و الصهيونية بالدرجة الاولى، فالاسلام الراديكالي يمكنه ان ينتج كراهية ويمكنه ان ينتج عنف و يمكنه ان ينتج دموية لكنه بطبيعته لا ينتج الارهاب، و لولا الاختطاف لعناصر من بيئة الاسلام الراديكالي ثم تاهيلهم لعمل منظم و واسع و حرفي و قأرّي وبعد ذلك استخدامهم وتوضيفهم لانجاز احداث تسمح لتلك السياسات بالمرور لما قامت شبهة الارهاب بحق الاسلام الراديكالي فضلا عن قيامها بحق الاسلام عموما.
مالم يستوعب ترامب هذا الامر بكل قسوة الاعتراف به بالنسبة لامريكا و حلفائه الغربيين فلن يفعل شيئ غير زيادة عدد الشظايا المنطلقة من القنابل الارهابية التي باتت تهدد العالم باسره، فتوجهه لمحاربة الاسلام الراديكالي بهدف القضاء على الارهاب لن يكون الا كمن يعاقب “المسدس” ويترك القاتل الذي استخدمه و قتل به، فالاسلام الراديكالي ليس القاتل وان كان بيئة “تفقس” منها اداوات القتل، والاسلام الراديكالي ليس الارهاب و ان كان الارهابيون راديكاليين، والاسلام الراديكالي ليس المجرم و ان كان في ابعد توصيف له هو اداة الجريمة.
سيكون ترامب كمن يحرث في البحر حتى لو افترضنا نجاحه في القضاء على الاسلام الراديكالي فذلك لا يعني شيء على الاطلاق طالما من يفرّخ العناصر الارهابية ويستثمرها حر طليق، بل ان توجه ترامب لحرب ضد الاسلام الراديكالي تحت شعار الحرب على الارهاب سيمثل خدمة للارهاب لانه يصرف الانظار عن المنتج الحقيقي له و لانه إشغال للرأي العام وتوظيف للطاقات و للقدرات ضد السلعة وليس ضد المصنع وسيقوم المصنع اذا لم يوقف دوران عجلاته بطرح كميات تعويضية و اضافية الى السوق، وهذه الصورة هي تشبيه لما يمكن ان يترتب على شن حرب ضد تيار كامل بخلفية غير سليمة و غير عادلة سيترتب عليها رد فعل اوسع كنتيجة طبيعية للفعل ذاته.
للسيد ترامب اقول صادقا ناصحا مستحضرا حجم الخطر الذي يمثله الارهاب على العالم ككل .. محاربة الارهاب تبدأ من الاعتراف بأن السياسات الامريكية و الغربية المتلاعب بها صهيونيا هي ما يولّد الارهاب و يجب التوجه بدرجة رئيسية للحرب ضدها في سبيل القضاء على الارهاب، اما الراديكالية فمواجهتها تحتاج لاساليب اخرى و محاربتها لن تمثل حربا على الارهاب بقدر ما ستوجد تيارا ساخطا ناقما على من يحاربه دون مبرر كافي وسيمثل ذلك زيادة تخصيب لبيئة الاسلام الراديكالي تستفيد منها السياسات المولّدة للارهاب وليس العكس.
ياسيد ترامب: السياسات الامريكية و الغربية المتلاعب بها صهيونيا في الشرق الاوسط و العالم العربي على وجه الخصوص هي من يجب ان تعمل على تغييرها جوهريا وتستبدلها بسياسات بناءة وذلك هو ما تتطلبه محاربة الارهاب بدرجة رئيسية … غير ذلك فما ستقوم به ترتيبا على تشخيص خاطئ لمشكلة الارهاب لن يكون الا بمثابة حثّ غير مقصود للارهاب و سيتعبك ولن تتعبه وهو من سينتصر في هذه الحرب التي اعلنتها ضده لسبب بسيط هو خطاء التشخيص.
ياسيد ترامب: الاسلام الراديكالي كاليورانيوم لايفعل كثيرا لولا تلك المعجلات و المفاعلات التي تخصبه و تحوله الى طاقة تدميرية هائلة. فلتكن حربك على تلك المفاعلات و المعجلات (السياسات الامريكية و الغربية في الشرق الاوسط) كيما تنتصر على الارهاب.
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن )
للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا